الكتاب الأخضر اليمني
بقلم/ عارف العزاني
الديموقراطية الهجينة و مبدأ العد
اعتقد النظام و لفترة طويلة ان
الانتخابات ستكون المحطات الوحيده التي سيطلب منه فيها التصريح عن رصيده الشعبي و
الذي كان من المفترض ان تكون معبره فعلاً عن هذا الرصيد لو توافرت الظروف
الديموقراطية الحقيقية و ليس الظروف الديموقراطية الهجينة الذي طورها النظام لتكريس
وجوده في السلطة فكانت هذه الديمقراطية الهجينة هي نسختهم من الكتاب الأخضر.
ترك النظام جميع ثوابت و ظوابط
العملية الديموقراطية و تمسك بمبدأ العد و كمالة العدد لضمان ان النسبة دائماً
كافية للأستمرار في الحكم و تناسى أن الانتخابات في النظام الديمقراطي هي وسيلة و
ليست هدف. و اصبحت الوسائل بالنسبة له هي كيفية ضمان هذا العدد و ليس كيفية كسب
التأييد الشعبي عن طريق الحكم الرشيد و المتمثل في حماية الانسان و توفير الحياة
الرغدة و الكريمة له و محاربة الفساد و تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب. و
بالتالي وجد النظام في هذا النهج الديموقراطي الهجين ضالته التي تضمن بقاءه في
السلطة و في نفس الوقت توفر له غطاء يستطيع المزايدة من خلاله امام الرأي العام
العالمي و المحلي وذلك بتبنيه ديموقراطيات الدول الحديثة في احد دول العالم الثالث.
فالنظام الديمقراطي الحقيقي يهدف
الى ان يحكم الشعب نفسه عن طريق تنصيب الشخص او النظام الذي يمثل أحلامه و طلباته
و و تطلعاته و المؤمن بها و القادر على تنفيذها. اذا طبقنا هذا التعريف في اليمن
فسنجد تناقض غريب جداً يعجز الكثير عن تفسيره. ففي اليمن يعاني المواطن و
بشدة في عدة مجالات وان كان أهمها الفقر و الصحة و التعليم و الأمن و التي من
المفترض انها ركائز الدولة الحديثة و التي تعتبر من حقوق المواطن الأولية تجاه
دولته. فمن الطبيعي ان النظام الذي يحقق انتصارات ساحقة في الانتخابات يكون قد
اثبت على الأقل قدرته على توفير هذه الأساسيات للمواطنين خلال فترة ادارته للبلاد.
ولكن اذا نظرت لوضع اليمن ووضع
المواطن اليمني خلال الثلاثون عاماً الأخيرة سنجد أن القاسم المشترك بين هذه
السنين هي معدلات الفقر الاكثر عالمياً و محلياً و ذلك بالرغم من وجود مقومات
اقتصادية قادرة على الأقل على توفير حياة اكرم و أفضل للمواطنين. فهناك البترول
المغطي للاستهلاك المحلي و الكافي ايضاً للتصدير بمعدلات متواضعة و لكن كفيلة
بإحداث تنمية ملحوظة اذا ما استغل بالشكل الصحيح و نجا من براثن الفساد المستشري
في البلد. أضف الى تلك المقومات الغاز الطبيعي و المنتج بكميات تجارية كبيرة و
كذلك الثروة السمكية و السياحة و الزراعة و الموقع الجغرافي الواقع على اهم خط
ملاحي في العالم. و ان كان اهم مقوم اقتصادي اغفله النظام و أساء إدارته هو
الإنسان اليمني نفسه.
الرأس مال البشري و التنمية
ظل النظام يردد و يتحجج بأن معدلات
و حجم النمو السكاني هو المبرر للفقر و عدم قدرة المقومات الاقتصادية على تلبية
احتياجاته التنموية و نسي النظام ان الاستثمار في البشر بالتعليم و التدريب
المناسبين قادرين على تحويل هذا النمو السكاني من عائق الى مقوم اقتصادي قادر بحد
ذاته على الدفع بعجلة التنمية و توفير حياة أفضل لهذا الأنسان. حولت كل من الصين
والهند انفجارهما السكاني الأعلى عالمياً الى قوة دافعة اقتصادية و ذلك بتأهيل
سكانهم و تزويدهم بالمعرفة المتطلبة للتنمية. ولكن للأسف و لأن المواطن اليمني لم
يكن اكثر من مجرد رقم بالنسبة لهذا النظام فلم يحاول الأستفادة منه و تأهيلة
بالشكل المطلوب لخلق رأس المال البشري و إضافته الى مقومات الاقتصاد.
يمكنك معرفة مقدار سوء إدارة
النظام للقوة البشرية و ذلك بالنظر الى المستوى العلمي و المعرفي للطلاب اليمنيين
سواء في التعليم الاساسي او الثانوي او حتى الجامعي و ذلك بالرغم من كون الطالب
اليمني الاعلى في معدلات الذكاء و القدرة على التحصيل و أثبت ذلك الطلاب اليمنيون
الذين التحقوا للدراسة في الخارج سواء في الجامعات العربية او حتى الأوروبية او
الأمريكية. تستطيع معرفة ان النظام يتعامل مع التعليم في اليمن من قبيل إسقاط
الواجب و ليس إيماناً منه بالمواطن اليمني و قدرته على احداث تغيير اذا ما زود
بالمعرفة و التأهيل المناسبين و ذلك اذا ما نظرت الى مخرجات العملية التعليمية و
كيف انه لا يوجد رابط بين هذه المخرجات و متطلبات التنمية.
كيف نتحدث عن عملية تعليمية في
اليمن و انت ترى طلاباً ينهون التعليم الأساسي و لا تزال القراءة و الكتابة و
الحساب حكراً على المتفوقين منهم و طلاب آخرون ينهون تعليمهم الثانوي و اتقان
اللغة الانجليزية تعتبر من مشاريع المستقبل البعيد و طلاب جامعيون يعتبرون
الكمبيوتر و الانترنت شيء أشبه بقصص الخيال العلمي. تشعر بالفجوة الرهيبة بين
مخرجات التعليم في اليمن و الدول الأخرى عندما تعرف ان التعليم في الدول الأخرى قد
تعدى بكثير مجرد توفير القدرات الأساسية مثل القراءة و الكتابة و اللغات و
الكبيوتر و الانترنت الى توفير التحفيز الابداعي و الذي لا يكون الطالب فيه مجرد
أداة للتنمية بل هو مولد و صانع لها من خلال تحفيز قدراته الابداعية و مساعدته
على اكتشافها و تشجيعه على استخدامها في حياته اليومية.
طائرات محملة بالمرضى
و بعد حديثنا عن فشل النظام و
حكوماته الشكلية على مدى الثلاثين عاماً في توفير ابسط حقوق المواطن على دولته
الحديثة و المتمثل في التعليم و التأهيل المناسبين، دعونا نناقش سوياً الفشل
الذريع في توفير الصحة. فبالرغم من استحواذ الصحة و التعليم و الدفاع و الأمن على
اعلى مخصصات موازنة الدولة الاَّ ان اليمن ما زال من الدول الأعلى عالمياً في تدني
مستوى الخدمات الصحية و تفشي الأوبئة و الأمراض و ارتفاع نسب الوفيات بين الاطفال
و النساء. ترى ايضاً سياسة إسقاط الواجب في قطاع الصحة حيث تتركز مسؤولية الدولة
في بناء المستشفيات و كأن وزارة الصحة اصبحت شركة مقاولات عقارية. و يمكنك ان تشعر
بمستوى الفشل في هذا القطاع بمجرد ان تطأ قدمك مستشفيات القطاع العام. اما اذا
نظرنا الى مستشفيات القطاع الخاص فحدث و لا حرج.
بإختصار اصبح القطاع الصحي في
اليمن في ظل غياب الرقابة الصحية و العلاجية المناسبة لعبة حظ الداخل فيها مفقود و
الخارج منها مولود. يكفي شاهداً للحكم بفشل النظام الذريع في إدارة هذا القطاع،
عدد المواطنون اليمنيون المسافرون يومياً للقاهرة او عمَّان للبحث عن طبيب قادر
بإذن الله من تخفيف آلآمهم و ذلك بعد فقدانهم الثقة في القطاع الصحي في اليمن
برمته. لو أجريت عملية حسابية بسيطة فستجد ان العملة الصعبة التي يخرجها هؤلاء
المسافرون تتجاوز مئات الملايين من الدولارات سنوياً. القطاع الصحي الذي من
المفترض ان يحرص على توفير كل من الطبيب المناسب و المعدات الطبية المناسبة و كذلك
العلاج المناسب اصبح للأسف قطاعاً يستشري فيه الفساد و ويسترزق منه عديمو الضمائر
الذين يعتبرون آهات المرضى بشارة خير.
شريعة الغاب و الشعور
بالأمان
و بعد رؤيتنا السريعة لفشل النظام
في مجالي التعليم و الصحة دعونا نلقي نظرة سريعة لواقع الحال في قطاع الأمن و الذي
من المفترض ان الهدف الرئيسي منه هو حماية المواطن اليمني و حماية ممتلكاته من كل
أعتداء. اذا طبق هذا الكلام بشكل صحيح فإنه من المفترض ان يشعر كل مواطن يمني
بالأمان و عدم الحاجة لحماية نفسه او ممتلكاته. و لكن في ظل انتشار السلاح بين
المواطنين و سطوة القوي على الضعيف و الخلل في النظام القضائي و ازدواجية المعايير
عند العقاب لا اعتقد ان المواطن اليمني يشعر بالأمان أبداً.
مقدار الأمان الذي يشعر به المواطن
اليمني نابع في اغلب الأحيان من انتماءه القبلي و ليس من ثقته في قدرة الدولة على
حمايته هو و ممتلكاته. ترى انتشار غير طبيعي لظاهرة الثأر في القرى و المدن
اليمنية. و لا أحد يستطيع تفسير استمرار هذه الظاهرة و ازدهارها أحياناً. يفسره
البعض بأن هذه الظاهرة ملازمة للنظام القبلي السائد في اليمن و الذي لا تستطيع
الدولة عمل أي شيء حياله. بينما يذهب آخرون الى اتهام النظام بالمساعدة على انتشار
هذه الظاهرة كونها مستفيدة منها لإشغال بعض القبائل بمشاكلهم الشخصية. بغض النظر
عن صحة هذه الرواية او تلك يبقى المواطن اليمني مفتقراً للأمان و كأننا نتحدث عن
دولة في القرون الوسطى و ليس في القرن الواحد و العشرون.
فشل في جميع المرافق
وبعد استعراضنا لواقع الحال في
قطاعات التعليم و الصحة و الأمن نقول ان فشل النظام لا ينحصر في هذه
القطاعات فقط بل ان هناك العديد من القطاعات التي فشل في إدارتها ولكننا
تطرقنا لفشله بشيء من التفصيل في هذه القطاعات كونها ركائز أي دولة حديثة و تمثل
الحد الأدنى لحقوق المواطن على دولته. يعتبر الفساد المالي و الإداري و انتشار
المحسوبية و الشللية اهم ظواهر الفشل في جميع قطاعات الدولة. كذلك مازالت نظرية
الأقربون أولى بالمعروف هي المسيطرة في قرارات التعيين في القطاع الحكومي في جميع
مستويات الهرم الوظيفي و ليس لقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب أي وجود
طالما انها تتعارض مع المصلحة الذاتية لمتخذ القرار.
كذلك اختفاء البعد الاستراتيجي في
جميع مرافق الدولة و انحصار مدة و نطاق التخطيط في ما يضمن المردود الشخصي لمتخذ
القرار اثناء تواجده في السلطة. اضف الى ذلك ضياع مشاريع الدولة مابين المنهوبة و
الوهمية و استخدام مناقصات الدولة لشراء الولاءات الضيقة او للإثراء الغير مشروع
لمتخذ القرار. ناهيك عن سلبية الدولة المفرطة و التي قد ترقى الى مستوى التشجيع
تجاه ظاهرة القات و التي تعتبر آفة اليمن الأولى و المدمر الأول للقطاع الزراعي و
المستنزف الأكبر لموارد البلد المائية و التى أوشكت على النضوب في بعض المناطق دون
ان يحرك النظام ساكناً للحد من ذلك. وكذلك ظاهرة انتشار السلاح في ايدي المواطنين
و التي اكتفت الدولة بمجرد اجراءات شكلية من حين لآخر تجاهه متحججة بأنه
لازمة للنظام القبلي اليمني. لن يسعنا المقام هنا لسرد جميع مظاهر فشل النظام و
لكن ما نريد قوله من كل ما سبق هو ان النظام كان خلال مدة الثلاثون عاماً فاشلاً
في إدارة البلاد ليس فشلاً نسبياً فقط و انما فشلاً مطلقاً و هو ما يجعلنا نعود
لسؤالنا الأساسي و هو كيف استطاع نظام بهذا الفشل الاستمرار هذه المدة في ظل نظام
ديموقراطي؟
الديموقراطية الهجينة و الظروف المساعدة
كما ذكرت سابقاً لا يفترض ضمن نظام
ديموقراطي حقيقي ان يستطيع مثل هذا النظام الوصول للسلطة ناهيك عن الإستمرار بها
طول هذه المدة و لكن لا ينطبق هذا الشرط على الديموقراطية الهجينة و الظروف التي
خلقتها او تلك التي استغلها و طورها النظام خلال مدته في السلطة. شيء لا يختلف
عليه اثنان سواء من مؤيدي الرئيس او معارضيه انه يتميز بدهاء سياسي غير عادي و هو
ان فكرنا فسنجد ان هذا شيء محسوب عليه و ليس له و ذلك لأنه كان من قبيل أولى ان
يستخدم هذا الذكاء في خلق حياة افضل لمواطنيه عن طريق بناء دولة المؤسسات و
القانون و الذي كان بدوره سيضمن له الاستمرار في الحكم مدى الحياة دون الاحتياج
لتبني او تطوير نظام ديموقراطي و من ثم الالتفاف عليه و عدم العمل بأبسط اولوياته
و هو التبادل السلمي للسلطة و عدم الاستحواذ عليها. لكن ما هي صفات هذا النظام
الديموقراطي الهجين و ماهي الظروف التي ساعدت على وجوده و استمراره؟
في الدول النامية الأخرى يعتبر
تزوير النتائج و شراء الأصوات هم الطريقتين الأساسيتين و ربما الوحيدتين
التي يمكن من خلالهما فوز أنظمة فاشلة في الانتخابات. و بالرغم ان اليمن لا يعتبر
استثناء من هذه الناحية الاَّ ان هاتين الطريقتين لا يعتبرا الاجراء الأساسي الذي
يعول عليه النظام لضمان نتائج الانتخابات و هذا ما جعل ديموقراطيته مختلفة. لجأ
النظام الى مجموعة اجراءات أخرى و استفاد كذلك من مجموعة ظروف و صفات موجودة في
المجتمع اليمني. يمكن اختصار هذه الإجراءات و الظروف في ثلاث محاور وهي استغلال
صفات طبيعية في تركيبة المواطن اليمني و كذلك التحكم في تركيبة المعارضة و نظرة
الشارع لها و أخيراً استغلال نفوذ الدولة لخلق الولاءات.
المواطن اليمني و متطلبات الوعي
الديموقراطي
يتميز المواطن اليمني على مر
العصور بتغليب العاطفة على العقل و أحد أشكال هذه العاطفة هي رمزية الحاكم بالنسبة
له بغض النظر عن معطيات هذا الحاكم و ما يقدمه للشعب. يعتبر اليمنيون حاكمهم رمزاً
لكرامتهم و لا ينحصر ذلك على رئيس الدولة بل حتى على مستوى شيخ القبيلة. كذلك
إستغل النظام في ديموقراطيته الهجينة مقاومة الشارع اليمني للتغيرات السياسية، ففي
ظل غياب دولة المؤسسات في اليمن و ضعف وجود الدولة في العديد من مناطق البلاد و
انتشار مخيف للأسلحة في أيدي المواطنين اصبح التغيير في نظرهم امراً مخيفاً و يجب
تجنبه بأي طريقة. ترسخ ذلك ذلك في أذهانهم من واقع تجاربهم السابقة سواء في
الثورة على الإمام و الحروب التي خاضتها البلاد بعد ذلك حتى استقر النظام كجمهورية
ثم سلسلة الاغتيالات التي تخللت النظام الجمهوري والذي قتل فيها الرئيسان ابراهيم
الحمدي و احمد الغشمي و وصولاً الى حرب ٩٤م خلال دولة الوحدة و انتهاءً بالحروب
الست مع الحوثيين في صعدة. فمقاومة التغيير بالنسبة لهم ناتجة عن الخوف مما يواكب
التغيير و ليس لعدم الايمان بأهميته او مشروعيته.
كذلك استغل النظام احد صفات
المواطن اليمني و هي حرصه على ارتباط اسمه بالحاكم سواء كان الحاكم رئيس دولة او
شيخ قبيلة. فالمواطن يرى ان هذا الارتباط يعطيه المكانة الاجتماعية بين من حوله و
يوفر له فرص اكثر بالإضافة الى توفير شيء من الحماية له. هذه الصفة جعلت من السهل
للحاكم في اليمن استمالة و استقطاب اكبر عدد من المؤيدين. و كما هو حال كل البشر يبدأ
هذا التأييد متصنعاً إما لمحاولة تحقيق مكاسب او تحاشياً لتنكيل و عداء الحاكم و
اتباعه و ينتهي به الأمر بعد مدة من محاولة أقناع من حولة بكذبته ان يصدقها هو
نفسه و يصبح مؤيداً للحكم قلباً و قالباً. كذلك لا ننسى تأثير مبدأ الثواب و
العقاب في القطاع العام و اعتماده على مدى تبعيتك و تأييدك للنظام و اتباعه سواء
كنت مؤمن بذلك او متصنعاً.
و استغل النظام ايضاً التركيبة
القبلية في اليمن فقام بإستمالة شخصيات ذات نفوذ قبلي و اجتماعي تارة بالترغيب و
اخرى بالترهيب مما ضمن له ولاء جميع المنطوويين تحت هذا الشخص و ترى هذا الشيء
جلياً في التعيينات في مناصب الدولة العليا و المعتمدة على المناطقية و تمثيلات
الكتل بدلاً من معايير الكفاءة. أخيراً استغل عدم إيمان غالبية اليمنيين و بالذات
في الأوساط الغير متعلمة على جدوى العملية الديموقراطية و الفائدة منها وقدرتها
على إحداث تغيير و الإتيان بالأفضل فأصبحت الانتخابات مجرد فرصة لأثبات الولاء
للحاكم و محاولة التقرب منه و تحقيق مكاسب شخصية و بالتالي اصبحت عبارة عن مهرجان
للانتهازيين لإحداث نقلة نوعية في حياتهم.
و اخيراً استغل النظام قصر رؤية
الناخب اليمني و الذي يفضل الفائدة الزائفة و القريبة على الفائدة الحقيقية و
البعيدة فأصبح الجميع يتسابقون و يتنافسون على تحقيق مكاسب قريبة سواءً كانت وظيفة
او ترقية او هبه مالية على حساب الفائدة الحقيقية البعيدة و المتمثلة في بناء بلد
قوي و مزدهر ينعم فيه الجميع و تمادى هؤلاء الانتهازيون و المستفيدون الى حد
الدفاع بإستماته عن هذا النظام خوفاً من زوال حكمه مما سيعني انقطاع الخير عنهم و
ايضاً خوفاً من العقاب و التنكيل من معارضي النظام في حال و صولهم للحكم.
مما ترتب عليه ظهور مجموعة أعراض و مفاهيم اجتماعية سيئة مثل (العرطة) و
(احمر العين) و (خليك ذيب) و (الفهلوة) وهي باختصار لمن لا يعرفها مبررات كاذبة
استخدمها ضعفاء النفوس لإستباحة المال والحق العام لوهمهم ان متوسط ذكاءهم اعلى من
الباقين متناسين ان الذكاء من عدمه ليس المانع هنا و انما اشياء لا توجد في
قواميسهم و هي الخوف من الله و حب الوطن و الحياء.
معارضة تحت الطلب
اما الشق الآخر من الديموقراطية الهجينة فهي متمثلة في التحكم في
تركيبة المعارضة و نظرة الشارع لها. فأولاً يعرف المتتبع للسياسة اليمنية ان
النظام تحكم في فترة من الفترات بتركيبة المعارضة و ذلك بتكوين احزاب معارضة اما
لتكون معارضة شكلية او لتشتيت و أضعاف المعارضة الحقيقية. و افضل مثال لذلك هو
تكوين حزب الأصلاح في مطلع التسعينات و ذلك بضم جناحي القبائل متمثلاً بالشيخ
عبدالله الأحمر و جناح الأخوان المسلمين في اليمن او الإسلاميين متمثلاً بالشيخ
عبدالمجيد الزنداني و قد مثل هذين الجناحين قوة كافية في الانتخابات لإقصاء الحزب
الإشتراكي و تشكيل حكومة إئتلافية لم تدم طويلاً بين المؤتمر و الإصلاح و انقلب
السحر على الساحر و اصبح نفس السبب الذي جعلهم اصدقاء الأمس هو نفسه ما جعلهم
اعداء اليوم و هو الوصول للحكم.
كذلك حرص كل من النظام و المعارضة
في اليمن على قتل تكتل الوسط و ذلك بضم احزابه و شخصياته الى تكتلات طرفية لخلق
الندية المطلوبة و كذلك لخلق فجوة كبيرة بين الطرفين و استخدامها كخندق لحماية
انفسهم و منع استمالة مؤيديهم بسهولة للطرف الآخر. و في الحقيقة خدم اختفاء تكتل
الوسط النظام كثيراً حيث اصبح قادراً على استخدام هذا التضاد المطلق في خلق خوف في
الشارع من الطرف الآخر و مقدار التغيير الذي سينتج عن وصوله الى السلطة. فأصبح
قادراً على ممارسة لعبته المفضلة ضدهم وهي لعبة اطلاق المسميات. و للتوضيح فإن
لعبة المسميات هذه استخدمها النظام ضد الكثير من معارضيه القدامى و الحاليين فظهرت
في فترة مسميات مثل الرجعيين و الكهنوتيين و فترة أخرى اسماء مثل الماركسيين و
الإنفصاليين و في أخرى أسماء مثل الحوثيين او الإرهابيين و أخيراً بدأ ظهور أسماء
مثل المخربين او دعاة الفتنة و بغض النظر عن واقعية هذه الأسماء من عدمها او ما تعبر
عنه فإن النظام قد استخدمها لخلق حالة من العداء الشعبي لهذه الأطراف او اي من
يحاول معارضته مما ساعدة على قمعها و التغلب عليها دون الحاجة لتبرير ذلك للشارع.
اختزال المعارضة
و لم يكتفي النظام بتشويه صورة
المعارضة بإعطاءها هذه المسميات و خلق حالة الخوف منها لدى الشارع بل دعم
ذلك بمحاولته اختزال جميع اطياف المعارضة في تكتل او شخصية معينة غير مرغوبة لدى
الشارع لتكريس حالة الخوف و العداء لهذا البديل. و مثال على ذلك محاولة اختزاله
للمظاهرات الأخيرة بتكتل اللقاء المشترك او الشيخ حميد الأحمر بالتحديد مستغلاً رؤية
الشارع للشيخ حميد بأنه كان في فترة ما جزءً من النظام بإعتباره ابناً للشيخ
عبدالله الأحمر قبل ان ينقلب على النظام و يصبح عدواً له مما حاول النظام تفسيره
بأنه نابع عن اهداف و اطماع شخصية. و كذلك بإعتباره ايضاً ممثل و مدافع قوي عن
النظام القبلي و الذي تسعى حركة التغيير الحالية الى التقليص من تأثيره و بالإضافة
الى رؤية الشارع لحميد على انه يمثل الرأس مالية المنبثقة من النظام و هو ما
يجعلها من وجهة نظر الشارع غير نزيهة.
فما أحاول القيام به هنا ليس إقرار
او نفي هذه الصفات عن الشيخ حميد الأحمر و انما توضيح كيف استطاع النظام خلق حالة
من العداء الشعبي تجاه حركة التغيير بمحاولة اختزالها في شخص الشيخ حميد الأحمر. و
تناسى النظام ان العداء بينه و بين المشترك او الشيخ حميد كان موجوداً قبل حركة
التغيير بمدة طويلة و ان حركة التغيير بدأت شبابية بحته دون إيعاز من المشترك او
الشيخ حميد و متشجعة بنجاح قرينتها بالإطاحة بالرئيسين المصري و التونسي و ما حدث
هو ان المشترك و الشيخ حميد هم من لحق بشباب التغيير و ليس العكس.
معارضة ضعيفة
و لكن مازاد وضع المعارضة اليمنية
صعوبة سواء تلك الحزبية او المستقلة او الشبابية هي عدم القدرة على التعبير و
توضيح مواقفهم بشفافية للشارع لتبديد هذه الصورة السوداوية و المخاوف التي خلقها
النظام منه. فقنوات الإعلام الرسمية سواء كانت المرئية ام المسموعة او المقروءة
مسخرة لتحسين صور النظام و تشويه صورة المعارضة و تكريس الخوف الشعبي منها. و
اصبحت حرية التعبير عن الرأي شكلية و مورست سياسات الترغيب و الترهيب ضد الصحفيين
و المفكرين و الأدباء لحجب اي صورة مشرفة للمعارضة و لضمان تصوير مشرف و مدافع
دائماً عن النظام. و قد تواترت روايات عن عمليات اختطاف لصحفيين و احتجازهم من قبل
الجهاز المركزي للأمن السياسي (البوليس السري اليمني) او حتى محاكمتهم و حبسهم
بتهم تخص المساس بأمن الدولة.
وأخيراً يجب التوضيح ان اكبر داعم
لقوة النظام كان و مازال ضعف معارضيه. و بضعفها هنا أعني أمرين، أولها عدم قدرتها
على مواجهة حملات التشويه التي يشنها ضدها النظام و ذلك بإستمالة أشخاص مقبولين
شعبياً لتمثيلهم امام الشارع. و كذلك عدم القيام بأنشطة ميدانية من قبيل تحسين
صورتها و ذلك من خلال منظمات المجتمع المدني و انحصار ذلك على الجمعيات الخيرية
لحزب الإصلاح. كذلك عدم محاولتها الاعلان عن تصورها لحل ازمات البلاد من قبيل
إحراج النظام و إثبات قدرتها على احداث تغيير و اكتفت بإعلان ان لديها هذه الخطط و
لكنها لا تريد الأفصاح عنها حتى تصل الى السلطة بحجة عدم رغبتها في استفادة النظام
المنافس لها من هذه البرامج مما جعل الشارع يرى إعلاناتها انها من قبيل المزايدة و
الابتذال الاعلامي فقط. و السبب الثاني و الأهم لضعفها هو عدم نزاهتها و يتمثل ذلك
في علاقة بعض شخصياتها بالنظام بشكل غير معلن و المبنية على المصالح الشخصية و
التي تطفو الى السطح من حين لآخر و كذلك تورطها أحياناً في عقد صفقات مشبوهة مع
النظام للوصول للسلطة و المشاركة فيها مما أفقدها ثقة الشارع بشكل كبير.
لا ديقراطية حقيقية بدون وعي شعبي
و مما سبق يتضح لنا سر قدرة النظام
الحالي على الاستمرار في السلطة و كيف استطاع تكييف النظام الديموقراطي و الظروف
المحيطة لضمان استمراره. و يمكننا ايضاً فهم التركيبة النفسية و الدوافع وراء
الداعمين للنظام خلال المظاهرات الحالية المطالبة بالتغيير و يمكن تصنيفهم بشكل
اساسي الى مجموعات تضم اولها الفاسدين و من يدعمونهم و هم يعتبروا جزء من النظام
المطلوب تغييره في اليمن و المجموعة الأخرى متمثلة في الخائفين من عدم سلمية
التغيير او من احتمال سيطرة قوى انتهاز من المعارضة حال سقوط النظام و اخيراً
المواطنون الممجدون للحاكم بالفطرة و المتأثرون بالدعايات الإعلامية المكرسة
لتمجيد النظام.
و يتضح لنا هنا ايضاً سر تمسك
النظام بتغيير الحكم عن طريق الانتخابات لانها قارب الأمان الذي نجى به حتى اليوم
و سينجو به خلفاءه من بعده. و يجب التأكيد هنا ان الغرض من الطرح ليس الاعتراض على
الديموقراطية او الانتخابات كآلية مثالية للتبادل السلمي للسلطة و لكن يجب ان
يرافق ذلك حلول مناسبة تحول دون جعل الانتخابات مجرد آلية شكلية الهدف منها تكريس
السلطة و الابتذال الاعلامي. و يجب ايضاً محاولة الحد من تأثير الظواهر الاجتماعية
التي تطرقنا لها عن طريق التوعية المناسبة و الدائمة بمعنى الديموقراطية و اهمية
الانتخابات و توعية المواطنين بحقوقهم على الدولة ليستطيعوا الحكم بشكل موضوعي على
معطيات النظام الحاكم و استخدام الانتخابات لإثابة هذا النظام او عقابه.
و كذلك من الضروري خلق بيئة حقيقية
للمعارضة النزيهة و القوية و التي تستطيع فرض نفسها على أرض الواقع بنقدها البناء
و الموضوعي للنظام و استخدامها شخصيات جاذبة للشارع. لن يمكن عمل جميع هذه الخطوات
في فترة وجيزة و عليه يجب وضع استراتيجية يتبناها الجميع و يتم تنفيذها بإشراف
محلي و دولي لخلق بيئة حقيقية للديموقراطية في اليمن تمكن الشعب الواعي من اختيار
الحاكم المناسب الذي يضمن تحقيق متطلباته و أحلامه بدلاً من استغلاله و الا فان
الديمقراطية في اليمن ستضل دائماً أداة تضليل و استغلال في يد الحاكم أياً كان
بدلاً من ان تكون أداة بيد الشعب لضمان التبادل السلمي للسلطة.

No comments:
Post a Comment